نظام غذائي صحي يأكل العقل
أعيش حياةً يحسدني عليها الآخرون. أنا ما يُمكن وصفه بـ"الشاب الغني". لديّ تعليم جيد، ووظيفة محترمة في شركة مالية أجنبية، وأتمتع بأمن مالي. كما أنني لا أُهمل العناية الشخصية. أبدأ يومي بتمارين البيلاتس كل صباح، وأحرص على اتباع نظام غذائي صحي، وأتلقى تدريبًا من مدربين وخبراء تغذية محترفين منذ عدة سنوات. نظامي الغذائي كلاسيكي: قليل الدسم، غني بالبروتين، ونظيف. على الفطور، أتناول زبادي يوناني وبعض التوت. على الغداء، أتناول سلطة صدور دجاج أو سمك أبيض (مع قليل من زيت الزيتون). على العشاء، أكتفي بطبق خضار مطهو على البخار. أتجنب اللحوم الحمراء أو الدهون الحيوانية، لأنها تُعتبر غير صحية. بفضل هذا، حافظت دائمًا على قوام مثالي. لكن الأمر غريب. فرغم أنني أعيش بضبطٍ تامٍ للنفس، إلا أن عقلي يغرق في دوامةٍ من التوتر يومًا بعد يوم. لسببٍ ما، يبدأ قلبي بالخفقان لأتفه الأسباب، وقبل عرضٍ مهم، أشعر باختناقٍ من قلقٍ أشبه بالذعر. في الليل، غالبًا ما أجد صعوبةً في النوم دون حبوبٍ منومةٍ بسبب القلق غير المبرر. حتى أنني مؤخرًا أعاني من "ضبابٍ ذهني"، مما يُصعّب عليّ التركيز في العمل، وكدتُ أرتكب خطأً فادحًا. جربتُ الاستشارة النفسية، بل وجربتُ تطبيقات التأمل، لكن مفعولها قصير. يُلقي طبيبي باللوم على وظيفتي المُرهقة، ويقترح زيادة جرعة الدواء. لكنني لا أستطيع التخلص من شعوري بأن السبب الجذري للقلق يكمن في شيء آخر. ثم، بالصدفة، عثرتُ على هذا الموقع. رأيتُ مقالاً عن تناول الدهون والصحة النفسية. بصراحة، أنا في حيرة من أمري لأنه عكس ما كنتُ أعتقده تماماً. لكنني أحاول جاهداً أن أسأل: هل يُمكن أن يكون هذا "النظام الغذائي قليل الدسم"، الذي أعتقد أنه صحي، سبباً في إصابتي بمرض نفسي؟ أولاً، أتعاطف بشدة مع الجهد الكبير الذي بذلتهِ في إدارة نفسكِ بشكل مثالي وتحقيق مسيرة مهنية ناجحة. من المحزن حقًا أن أسمع أنكِ، رغم كل جهودكِ، تعانين من قلق شديد ونفاد صبر. وكان السؤال الأخير الذي طرحه المستشار هو: "هل اتباع نظام غذائي منخفض الدهون يجعلني مريضًا؟" نعم، هذا مُرجَّح جدًا. يبدو الأمر كما لو أن جسمك يُجبر دماغك، وهو منزلٌ مُشيَّدٌ بأجود المواد، على قطع إمداداته من المواد الخام (الدهون). القلق الشديد الذي تشعر به الآن هو إشارة من جسمك إلى نقصٍ غذائيٍّ حادٍّ. الدماغ هو عضو يحتوي على نسبة عالية من الدهون. إليكم حقيقةٌ مُدهشةٌ غالبًا ما نغفل عنها: أدمغتنا مُكوّنةٌ من أكثر من 60% دهون، وجميع أغشية خلايانا وهرموناتنا المُنظّمة للمزاج مُكوّنةٌ من الكوليسترول (الدهون). للأسف، فإنّ النظام الغذائي "قليل الدسم، غنيّ بالبروتين، ونظيف" الذي تتبعونه لسنواتٍ يحرمنا في الواقع من أهمّ مُكوّنات ووقود دماغنا وجهازنا العصبي. يحتاج الدماغ إلى مصدر طاقة ثابت. إذا حرم النظام الغذائي منخفض الدهون الدماغ من الدهون والكوليسترول اللازمين، فسيؤدي ذلك حتمًا إلى اختلال وظائفه. وهذا سبب مباشر لانخفاض التركيز وضبابية الذهن. علاوة على ذلك، يُعد الكوليسترول ضروريًا لسلامة عمل مستقبلات النواقل العصبية (مثل السيروتونين والدوبامين) في أدمغتنا، ويؤدي نقص الكوليسترول إلى خلل في هذا النظام، مما يؤدي إلى تفاقم الاكتئاب والقلق. هرمونات مثل الكورتيزول والتستوستيرون، التي تساعدنا على التعامل مع التوتر وتهدئة العقل، تُصنع جميعها من الكوليسترول. إذا قللت بشكل كبير من تناول الدهون الحيوانية، كما فعلت، فلن يتمكن جسمك من إنتاج "الرصاصات" (الهرمونات) اللازمة للتعامل مع المواقف العصيبة. ربما يكون من الطبيعي أن تصبح شديد الحساسية تجاه أي ضغوطات، وأن تُعاني من نوبات هلع. الحل: أبعد من الخوف، أعط عقلك "طعامًا حقيقيًا". لم تذهب جهودكم على مدار السنوات الماضية سدىً. فببعض التغييرات البسيطة في مساركم، يمكنكم تحقيق صحة حقيقية جسديًا ونفسيًا. بدلًا من الاعتماد على الأدوية، أنصحكم بشدة بمعالجة السبب الجذري من خلال النظام الغذائي. القلق الذي تشعر به الآن ليس دليلاً على الفشل، بل إشارة صادقة من جسدك. إنها صرخة يائسة: "يا سيدي، من فضلك زوّد عقلي بوقود حقيقي ومكونات للعمل!" أنت تمتلك بالفعل إرادةً قويةً ودافعًا قويًا لتحقيق أعلى مستوى. الآن هو الوقت المناسب لتسخير هذه القوة من أجل "صحةٍ حقيقية". إذا تخلّيت عن مخاوفك وزوّدت جسمك بالعناصر الغذائية التي يحتاجها طبيعيًا، ستتمكن قريبًا من التحرر من قيود القلق المُرهق واستعادة حياةٍ هادئةٍ يتناغم فيها جسدك وعقلك.
- الكآبة
- Lumen